سورة النحل - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


قوله تعالى: {والخيل} أي: وخلق الخيل {والبغال والحمير لتركبوها وزينةً} قال الزجاج: المعنى: وخلقها زينة.
فصل:
ويجوز أكل لحم الخيل، وإِنما لم يُذكَر في الآية، لأنه ليس هو المقصود، وإِنما معظم المقصود بها: الركوب والزينة، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة، ومالك: لا تؤكل لحوم الخيل.
قوله تعالى: {ويخلق مالا تعلمون} ذكر قوم من المفسرين: أن المراد به عجائب المخلوقات في السموات والأرض التي لم يُطَّلع عليها، مثل ما يروى: أن لله ملكاً من صفته كذا، وتحت العرش نهر من صفته كذا. وقال قوم: هو ما أعد الله لأهل الجنة فيها، ولأهل النار. وقال أبو سليمان الدمشقي: في الناس مَن كره تفسير هذا الحرف. وقال الشعبي: هذا الحرف من أسرار القرآن.


قوله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} القصد: استقامة الطريق، يقال: طريق قصد وقاصد: إِذا قصد بك ما تريد. قال الزجاج: المعنى: وعلى الله تبيين الطريق المستقيم، والدعاء إِليه بالحجج والبرهان.
قوله تعالى: {ومنها جائر} قال أبو عبيدة: السبيل لفظه لفظ الواحد، وهو في موضع الجميع، فكأنه قال: ومن السبل سبيل جائر. قال ابن الأنباري: لما ذكر السبيل، دلّ على السبل. فلذلك قال: {ومنها جائر} كما دل الحَدَثان على الحوادث في قول العبدي:
وَلاَ يَبْقَى عَلَى الحَدَثَانِ حَيّ *** فَهَلْ يَبْقَى عليهِنَّ السِّلامُ
أراد: فهل يبقى على الحوادث، والسِّلام: الصخور، قال ويجوز أن يكون إِنما قال: {ومنها}، لأن السبيل تؤنث وتذكَّر، فالمعنى: من السبيل جائر. وقال ابن قتيبة: المعنى: ومن الطُّرق جائر لا يهتدون فيه، والجائر: العادل عن القصد، قال ابن عباس: ومنها جائر الأهواء المختلفة. وقال ابن المبارك: الأهواء والبدع.
قوله تعالى: {هو الذي أنزل من السماء ماءً} يعني: المطر {لكم منه شراب} وهو ما تشربونه، {ومنه شجر} ذكر ابن الأنباري في معناه قولين:
أحدهما: ومنه سَقي شجر، وشرب شجر، فخلف المضافُ إِليه المضافَ، كقوله: {وأُشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة 93].
والثاني: أن المعنى: ومن جهة الماء شجر، ومن سقيه شجر، ومن ناحيته شجر، فحُذف الأول، وخلَفه الثاني، قال زهير:
لِمَنِ الدِّيارُ بِقُنَّةِ الحِجْرِ *** أَقْوَيْنَ من حِجَجٍ وَمِنْ شَهْرِ
أي: من ممرِّ حجج. قال ابن قتيبة: والمراد بهذه الشجر: المرعى. وقال الزجاج: كل ما نبت على الأرض فهو شجر، قال الشاعر يصف الخيل:
يَعْلِفُهَا الَّلحْمَ إِذا عَزَّ الشَّجَرْ *** وَالخَيْلُ في إِطعَامها الَّلحْمَ ضَرَرْ
يعني: أنهم يسقون الخيل اللبن إِذا أجدبت الأرض. و{تُسيمون} بمعنى: تَرعَون، يقال: سامت الإِبل فهي سائمة: إِذا رعت، وإِنما أخذ ذلك من السُّومة، وهي: العلامة، وتأويلها: أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات.
قوله تعالى: {يُنبت لكم به الزرع} وروى أبو بكر عن عاصم: {ننبت} بالنون. قال ابن عباس: يريد الحبوب، وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله تعالى: {والنجومُ مسخراتٌ بأمره} قال الأخفش: المعنى: وجعلَ النجوم مسخراتٍ، فجاز إِضمار فعل غير الأول، لأن هذا المضمر، في المعنى مثل المُظَهر، وقد تفعل العرب أَشدَّ من هذا، قال الراجز:
تَسْمَعُ في أجوافِهِنَّ صَرَدَا *** وفي اليَديْنِ جُسْأَةً وَبَدَدَا
المعنى: وترى في اليدين. والجُسأة: اليبس. والبَدَد: السَّعة. وقال غيره: قوله تعالى: {مسخرات} حال مؤكدة، لأن تسخيرها قد عرف بقوله تعالى: {وسخر}. وقرأ ابن عامر: والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ، رفعاً كله، وروى حفص عن عاصم: بالنصب، كالجمهور، إِلاّ قوله تعالى: {والنجومُ مسخراتٌ} فإنه رفعها.


قوله تعالى: {وما ذرأ لكم} أي: وسخر ما ذرأ لكم. وذرأ بمعنى: خلق. و{سخر البحر} أي: ذلَّله للركوب والغوص فيه {لتأكلوا منه لحماً طريّاً} يعني: السمك {وتستخرجوا منه حلية تلبسونها} يعني: الدُّر، واللؤلؤ، والمرجان، وفي هذا دلالة على أن حالفاً لو حلف: لا يلبس حُلِيّاً، فلبس لؤلؤاً، أنه يحنث، وقال أبو حنيفة: لا يحنث.
قوله تعالى: {وترى الفلك} يعني: السفن. وفي معنى {مَوَاخِرَ} قولان:
أحدهما: جواري، قاله ابن عباس. قال اللغويون: يقال: مخرت السفينة مَخْراً: إِذا شقت الماء في جريانها.
والثاني: المواقر، يعني: المملوءة، قاله الحسن.
وفي قوله تعالى: {ولتبتغوا من فضله} قولان:
أحدهما: بالركوب فيه للتجارة ابتغاء الربح من فضل الله.
والثاني: بما تستخرجون من حليته، وتصيدون من حيتانه. قال ابن الأنباري: وفي دخول الواو في قوله تعالى: {ولتبتغوا من فضله} وجهان:
أحدهما: أنها معطوفة على لامٍ محذوفة، تقديره: وترى الفلك مواخر فيه لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا.
والثاني: أنها دخلت لفعل مضمر، تقديرهُ: وفعل ذلك لكي تبتغوا.
قوله تعالى: {وألقى في الأرض رواسي} أي: نصب فيها جبالاً ثوابت {أن تميد} أي: لئلاَّ تميد، وقال الزجاج: كراهة أن تميد، يقال: ماد الرجل يميد مَيْداً: إِذا أُدير به، وقال ابن قتيبة: الميد: الحركة والمَيْل، يقال: فلان يميد في مشيته، أي: يتكفَّأ.
قوله تعالى: {وأنهاراً} قال الزجاج: المعنى: وجعل فيها سُبُلاً، لأن معنى {ألقى}: جعل، فأما السبل، فهي الطرق. {ولعلكم تهتدون} أي: لكي تهتدوا إِلى مقاصدكم.
قوله تعالى: {وعلامات} فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها معالم الطرق بالنهار، وبالنجم هم يهتدون وبالليل، رواه العوفيّ عن ابن عباس.
والثاني: أنها النجوم أيضاً، منها ما يكون علامة لا يُهتدى به، ومنها ما يُهتدى به، قاله مجاهد، وقتادة، والنخعي.
والثالث: الجبال، قاله ابن السائب، ومقاتل.
وفي المراد بالنجم أربعة أقوال:
أحدها: أنه الثريّا، والفرقدان، وبنات نعش، والجدي، قاله السدي.
والثاني: أنه الجَدْي، والفرقدان، قاله ابن السائب.
والثالث: أنه الجدي وحده، لأنه أثبتُ النجومِ كلِّها في مركزه، ذكره الماوردي.
والرابع: أنه اسم جنس، والمراد جميع النجوم، قاله الزجاج، وقرأ الحسن، والضحاك، وأبو المتوكل، ويحيى بن وثاب: {وبالنُّجْم} بضم النون وإِسكان الجيم، وقرأ الجحدري: {وبالنُّجُم} بضم النون والجيم، وقرأ مجاهد: {وبالنجوم} بواوٍ على الجمع.
وفي المراد بهذا الاهتداء قولان:
أحدهما: الاهتداء إِلى القِبلة. والثاني: إِلى الطريق في السفر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8